أكاديمي وخبير في إدارة الأزمات الدوليّة

أتلانتا - الولايات المتّحدة الأميركيّة

بعد عقود من العمل في مجال سيادة القانون من دون سياسة محدّدة، أطلقت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أول سياسة حكومية أميركية مُخصصة للمساعدة في مجال سيادة القانون في نيسان من العام الماضي. فما أهمّ ما ورد في هذه السياسة وما هي انعكاساتها على لبنان؟

بحسب الموقع الإلكتروني للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، السياسة الجديدة لسيادة القانون تتضمّن ثلاث نقاط أساسيّة، هي:

1 - إعتماد تعريف لسيادة القانون مع الإعتراف بأن دعم سيادة القانون سيظل جهداً مستمراً غير مكتمل؛

2 - إعلان عن نهج جديد «للعدالة التي تركز على الناس»، بحيث يضع الفرد المتأثر بالقانون في قلب السياسات والمؤسسات والعمليات والممارسات التي تشمل العدالة والأنظمة والخدمات ذات الصلة؛

3 - إعطاء الأولوية للمعرفة والأدلة من خلال استخدام البيانات لتطوير أنشطة سيادة القانون سهلة الاستخدام وحل المشاكل، والتي تعمل على تجهيز وتمكين الجهات الفاعلة والشركاء المحليين لسد فجوة العدالة ومساعدة الديمقراطيات على تحقيق النجاح.

يشكّل تمحور إستراتيجيّة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية نحو العدالة المرتكزة على الناس تغييراً لقواعد اللعبة التي كانت سائدة قبل هذه السياسة الجديدة بعدما أيقنت الوكالة عدم كفاية جهودها السابقة في تحقيق مجتمعات أكثر عدالة بسبب وجود نحو 5.1 مليارات شخص على مستوى العالم لم تُلبَّ احتياجاتهم في مجال العدالة. من هذا المنطلق، ونظراً لأخذ بالإعتبار أنّ المجتمعات تتغير وعلى القانون اللحاق بركاب هذه التغيّرات المجتمعيّة، كانت الحاجة لاستراتيجيّة جديدة تضع الإنسان - موضوع العدالة - في صلب المعادلة (People-Centered Justice). فالإستراتيجيّة الجديدة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية تعكس تحولاً نموذجياً في طريقة التفكير وكيفية العمل ضمن الوكالة، إذ تحوّلت نقطة الإرتكاز من المؤسساتية إلى الفردية، أي الإنتقال من الإصلاحات المعقدة على مستوى النظام القضائي إلى إشراك الجهات الفاعلة المحلية بشكل صريح لتحديد احتياجات العدالة الفردية ذات الأولوية والمساهمة في إيجاد حلول جديدة و/أو إصلاح سبل الانتصاف الحالية من خلال وضع الفرد المتضرر - بغضّ النظر عما إذا كانت القضية مدنية أو جنائية أو إدارية - بموجب القانون في قلب السياسات والعمليات والممارسات المتعلّقة بإحقاق الحقّ وخدمة العدالة.

وتضيف سياسة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية المتعلّقة بسيادة القانون أهميّة محاربة الفساد الذي يهدّد سيادة القانون، مع الإشارة إلى أنّ كلمة «فساد» وَردت 12 مرّة في وثيقة السياسة الحكوميّة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية. كلّ ما ورد أعلاه كلام جميل ومثالي في الإطار النظري. لكن دعونا نضع ما ورد أعلاه في الإطار اللبناني والسياق المحلّي. هنا بيت القصيد بالنسبة للبنان لأنّ ثمّة تناقضاً جوهريّاً وبنيويّاً بين ما تفعله الوكالة الأميركية عملياً على أرض الواقع اللبناني من ناحية وبين ما تصرّح به في وثيقة سياسة الـ 2023 من محاربة الفساد من ناحية أخرى.

في مقالة أكاديميّة كتبها الباحثان الدكتورة جنين كلارك والدكتور باسل سلّوخ عن «استراتيجيات النخبة والمجتمع المدني والهويات الطائفية في لبنان ما بعد الحرب»، والتي نُشِرَت في العام 2013، تفيد بأنّ الطبقة السياسيّة والمجتمع المدني في لبنان هما وجهان لعملة واحدة وكلٌّ منهما مرتبط بالآخر ارتباطا عضويّا لتعويم دورهما بشكلٍ متبادل، إذ تقوم «النخب الطائفية من اختراق منظمات المجتمع المدني أو محاصرتها أو استمالتها، فضلاً عن توسيع شبكاتها الزبائنية لتشمل منظمات المجتمع المدني التي ينبغي لولا ذلك أن تقود الجهود الرامية إلى إقامة علاقات عابرة للطوائف وأنماط التعبئة السياسية أو التي تسعى صراحةً إلى تحدي نزعة النظام الطائفي».

إذاً، معظم منظّمات المجتمع المدني - التي عادةً ما تكون الشريك المحلّي (local partners) للجهات المانحة والتي تتلقّى المساعدات الماديّة لتحقيق المشاريع التنموّية - ترتبط بالطبقة السياسية والطائفيّة التي تريد سياسة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية محاربتها تحت شعار مكافحة الفساد. إذاً، لإعطاء طابع الجديّة في سياسة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية الجديدة للعام 2023 ولبثّ الثقة لدى العامّة، على الوكالة أن تدقّق في الأموال المصروفة على المشاريع المزعومة وتراجع عقود الشراكات بينها وبين الجهات المحليّة لا سيّما جمعيات المجتمع المدني بموضوعيّة وشفافيّة للتأكّد من عدم تبعيّة هذه الجمعيّات للطبقة السياسية اللبنانيّة المتّهمة بالفساد حتّى لا تستخدم هذه الطبقة الفاسدة أموال دافعي الضرائب من المواطنين الأميركيّين لتعويم أنفسهم سياسيّاً داخل مجتمعاتهم الطائفيّة وتشجيع الزبائنيّة والواسطة السياسيّة التي تهدف سياسة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية القضاء عليها، حسبما نصّت عليها في وثيقة الـ 2023.

QOSHE - البُعد اللبناني لسياسة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية- 2023 - د. إسحاق أندكيان
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

البُعد اللبناني لسياسة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية- 2023

7 1
16.03.2024

أكاديمي وخبير في إدارة الأزمات الدوليّة

أتلانتا - الولايات المتّحدة الأميركيّة

بعد عقود من العمل في مجال سيادة القانون من دون سياسة محدّدة، أطلقت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أول سياسة حكومية أميركية مُخصصة للمساعدة في مجال سيادة القانون في نيسان من العام الماضي. فما أهمّ ما ورد في هذه السياسة وما هي انعكاساتها على لبنان؟

بحسب الموقع الإلكتروني للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، السياسة الجديدة لسيادة القانون تتضمّن ثلاث نقاط أساسيّة، هي:

1 - إعتماد تعريف لسيادة القانون مع الإعتراف بأن دعم سيادة القانون سيظل جهداً مستمراً غير مكتمل؛

2 - إعلان عن نهج جديد «للعدالة التي تركز على الناس»، بحيث يضع الفرد المتأثر بالقانون في قلب السياسات والمؤسسات والعمليات والممارسات التي تشمل العدالة والأنظمة والخدمات ذات الصلة؛

3 - إعطاء الأولوية للمعرفة والأدلة من خلال استخدام البيانات لتطوير أنشطة سيادة القانون سهلة الاستخدام وحل المشاكل، والتي تعمل على تجهيز وتمكين الجهات الفاعلة والشركاء المحليين لسد فجوة العدالة ومساعدة الديمقراطيات على تحقيق النجاح.

يشكّل تمحور إستراتيجيّة الوكالة........

© الجمهورية


Get it on Google Play