واحدة من الظواهر اللافتة للأنظار في الدورة الحالية لمؤتمر العالمي للمناخ "COP 28" الذي يختتم أعماله يوم غد الثلاثاء، ذلك الحضور البارز للجانب الديني في المؤتمر.

فهي المرة الأولى ليس في مؤتمرات المناخ فقط وإنما في أي حدث عالمي كبير اقتصادي أو بيئي، التي يكون فيها للبعد الديني حضور ودور بل وأهمية كبيرة. وذلك في المبادرة الإماراتية غير المسبوقة، التي شملت للمرة الأولى تخصيص "جناح الأديان" الذي شارك شيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرانسيس الثاني في افتتاحه مع بدء فعاليات المؤتمر.

ثم قيامهما بتوقيع إعلان دعم العمل المناخي العاجل، الذي يدعو إلى توظيف أدوار تأثير ممثلي الأديان في إلهام الإنسانية لتعزيز العدالة البيئية. وذلك لعدم الإفساد في الأرض وتجنب إضرار الإنسان بنفسه وبالآخرين، وغيرها من منطلقات دينية غايتها تحقيق السعادة البشرية.

ويتضح بذلك المنطلق الأساس في الاستعانة بالدين في قضية تتعلق بالمناخ. وهو أن الدين ليس طقوساً تعبدية فقط، وليس مقصوراً على تلك العلاقة الروحية الفردية بين الإنسان والإله. بل إن العقيدة بمفهومها العام، سواء كانت عقيدة سماوية (ديانات) أو وضعية أو حتى أيديولوجيا فكرية (مثل الماركسية) تقدم دائماً للبشر حزمة من التعاليم والتوجيهات التي تفترض كل منها أنها الأصوب والأكثر جدوى وقابلية للتنفيذ من أجل سعادة البشر وانصلاح أحوالهم.

في الاتجاه العكسي، من شأن مساهمة رجال الدين في قضية تنموية بل وحياتية مثل تحديات التغير المناخي، أن يزيد فعالية التواصل بين المنظومة الدينية، رجالاً ومؤسسات، والمجتمعات بمن فيها من أفراد ومجموعات وشركات.

فشعور تلك المكونات الاجتماعية بأن الدين منخرط في تلك المسائل الدنيوية المعيشية، يجعلهم أكثر قرباً من الدين، بالضبط كما هو يجعل الدين قريباً منهم. ولذا فهناك مردود إيجابي كبير وواسع النطاق على الأديان ذاتها، حيث يقترب الناس أكثر من الدين وتتقلص الفجوة الفكرية والإدراكية لطبيعة الدين ودوره تجاه البشر أفراداً ومجتمعات.

يوجد مغزى آخر مهم يجب الانتباه إليه، وهو أن المساهمة أو الدور الذي يمكن أن تلعبه المنظومات الدينية بل وبدأت فيه بالفعل، ليس مقسماً لكل ديانة على حدة، ولا تتباين ملامحه أو يختلف مضمونه من دين إلى آخر. حيث تشترك الأديان السماوية الثلاثة في جهود مكافحة التغير المناخي والحفاظ على البيئة، وتستهدي جميعها في تلك الجهود بمبادئ وقيم أساسية يسهل على أي إنسان ملاحظة أنها واحدة ومتحدة.

وهنا المغزى، أن جوهر الديانات واحد وهو عبادة الرب وهدفها واحد هو إسعاد البشر. كما أن البيئة والمناخ وغيرها من المفردات والقضايا الدنيوية، كلها على ذات القدر من الأهمية والوزن في الإسلام والمسيحية واليهودية.

ليس هذا وحسب، بل إن الأديان أيضاً تتشابه فيما يمكن اعتباره آليات أو مداخل للتعاطي مع هذه القضايا الحياتية للبشر. وفي هذا بدوره دلالة بعيدة وعميقة أخرى لا تتعلق بالمؤتمر العالمي كوب 28 ولا بقضية المناخ أو البيئة، وإنما تتعلق بفكرة الأديان وفلسفة الدين. ألا وهي أن جوهر الأديان بالفعل واحد، وإن اختلفت المسميات والتفاصيل وطريقة التعبد وبعض التعاليم. أما فيما يتعلق بأحوال البشر وحل مشكلاتهم ومواجهة تحدياتهم، فلا فوارق ولا اختلافات.

ولذا فإن حضور الدين في كوب 28 لم يكن مجرد إجراء تنظيمي لتوسيع نطاق المؤتمر أو فقط لحشد الجهود من أجل قضية المناخ، وإنما هو جزء من جهود متكاملة ومتوازية ضمن الرؤية الإماراتية الشاملة للإنسانية وقضاياها وفلسفة وجودها، بقدر ما تجسد أيضاً الشمول وعمق النظر والوعي في التصدي إلى قضية مصيرية كقضية التغير المناخي.

QOSHE - "الجناح الديني" في مؤتمر المناخ - محمد خلفان الصوافي
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

"الجناح الديني" في مؤتمر المناخ

21 0
11.12.2023

واحدة من الظواهر اللافتة للأنظار في الدورة الحالية لمؤتمر العالمي للمناخ "COP 28" الذي يختتم أعماله يوم غد الثلاثاء، ذلك الحضور البارز للجانب الديني في المؤتمر.

فهي المرة الأولى ليس في مؤتمرات المناخ فقط وإنما في أي حدث عالمي كبير اقتصادي أو بيئي، التي يكون فيها للبعد الديني حضور ودور بل وأهمية كبيرة. وذلك في المبادرة الإماراتية غير المسبوقة، التي شملت للمرة الأولى تخصيص "جناح الأديان" الذي شارك شيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرانسيس الثاني في افتتاحه مع بدء فعاليات المؤتمر.

ثم قيامهما بتوقيع إعلان دعم العمل المناخي العاجل، الذي يدعو إلى توظيف أدوار تأثير ممثلي الأديان في إلهام الإنسانية لتعزيز العدالة البيئية. وذلك لعدم الإفساد في الأرض وتجنب إضرار الإنسان بنفسه وبالآخرين، وغيرها من منطلقات دينية غايتها تحقيق السعادة البشرية.........

© العين الإخبارية


Get it on Google Play