لم يعد مقبولاً التغاضي الفاضح عن أزمة القطاع المصرفي في لبنان واستمرار احتجاز ما تبقّى من الودائع، وكأنّها مؤامرة مقصودة لإبقاء الاقتصاد اللبناني مشلولاً وغير قادر على تحقيق نمو.

يصرّ العباقرة في الاقتصاد لدينا على الحصول على قرض قبل تنظيف البيت الداخلي وتحقيق المحاسبة وإرجاع الودائع، وكأنّ كل الاقتراحات والمطالبات لا تلقى آذاناً صاغية من المسؤولين واصحاب المصارف، وكأنّهم قد اصيبوا بالطرش. والأفظع انّهم لا يحاورون هذه الافكار ويثبتون انّها خاطئة.

ويأتي من يقترح، وخصوصاً صندوق النقد الدولي الذي نتوسله اليوم للحصول على قرض، ان يتمّ ارجاع الودائع الى المودعين الصغار، وهذا ليس خطأ من الناحية الانسانية والاخلاقية، ولكن عدم ارجاع ما تبقّى من ودائع المودعين الكبار سيكون له ضرر كبير على الاقتصاد، لانّ هؤلاء هم محرّك للاقتصاد وهم قوة استثمارية كبيرة.

يحاول البعض شيطنة صورة المودعين الكبار وتصويرهم على انّهم شركاء في الانهيار المالي الحاصل، وهذا خطأ آخر لأنّ من علقت ودائعهم في المصارف من المودعين الكبار لم يكونوا على علم بالمخطط الإجرامي الذي يُحاك للبلد.

بالطبع هناك بعض المودعين الكبار هم مسؤولون عن الأزمة، واستفادوا من الفساد والهندسات المالية والصفقات والاحتكارات الخ ... ولكن أخرجوا أموالهم من لبنان قبل 17 تشرين وبعده، ولا تزال التحقيقات والتصريحات تُظهر حجم المبالغ التي تمّ تحويلها من لبنان. اما ما بقي من ودائع كبيرة، فهي لمودعين أوادم، حققوا نجاحات في الاغتراب وفي الوطن، ووثقوا بوطنهم واستثمروا فيه وحوّلوا اموالهم اليه، صنعوا اموالهم بالتعب والجهد والغربة، ولم يستفيدوا من عقود خاصة او هندسات، بل على العكس تحمّلوا بيئة غير صديقة للاستثمار. هؤلاء لم يملكوا معلومات داخلية خاصة (insider information) لتهريب أموالهم قبل 17 تشرين، ولا يملكون سلطةً لإخراج اموالهم بعد 17 تشرين. هؤلاء المودعون المنتجون الأوادم، هم الفئة المحرّكة للاستثمارات والاعمال (Motor Elements of Society).

نحذّر اليوم من انّ خسارة فئة المودعين الكبار فيها خراب مقصود للبلد، فهؤلاء متى رجعت ودائعهم واستعادوا ثقتهم بالبلد، سيكونون مجدداً محرّكاً اساسياً للاقتصاد اللبناني عبر المشاريع المنتجة. كما نرفض اي دين جديد من صندوق النقد الذي لا يعنيه اليوم إعادة الودائع، والتي هي مدخل لإعادة ثقة المستثمرين بلبنان، ولا يهمّه سلامة القطاع المصرفي، بل يريد تحميل لبنان ديناً جديداً ليبقى مرتهناً للديون الخارجية.

انّ كسر الثقة اليوم عبر تطيير حقوق المودعين الكبار سيوقف اي استثمارات او مشاريع في البلد لسنوات عدة مقبلة، ولن يثق اي مستثمر او مغترب بإنشاء اي مشروع او استثمار او توظيف أمواله او تحويلها الى لبنان، وهذه ستشكّل ضربة قاضية.

المطلوب اليوم إعادة الحيوية والثقة الى القطاع المصرفي لإعادة الحياة للدورة الاقتصادية في البلد، وهذه تتحقق عبر الخطوات التالية:

- اولاً، اعادة ما تبقّى من الودائع حالاً ومن دون تأخير لكافة المودعين، وهذا سيساهم في اعادة الثقة بلبنان وانطلاق مشاريع استثمارية جديدة تخلق فرص انتاج.

- ثانياً، منح تراخيص لمصارف جديدة، مصارف لا تعتمد الوسائل التي كانت قبل الأزمة، مصارف شفافة ومصارف للأوادم.

- ثالثاً، التدقيق في وضع كل مصرف على حدة عبر فتح الدفاتر، كم كانت قيمة الودائع بذمته في 17 تشرين 2019؟ وهل أرجع مصرف لبنان المركزي منها شيئاً؟ وكيف تصرّف المصرف بما تبقّى من الودائع؟ المطلوب منه إعادة الودائع التي بقيت بحوزته، فتلك الاموال ليست هبة وليست من اصول المصرف، هي حق في ذمّته للناس ويجب إرجاعها. وهذه الخطوة كان من المفروض ان يقوموا بها، حين وقعت الأزمة، لكانوا وفّروا على البلد كثيراً من الخراب.

- رابعاً، التخلّص من القوانين الحقيرة التي تقوم بتهريب المستثمرين من البلد.

- خامساً، الحفاظ على السرّية المصرفية وعدم التفريط بها، فهي ميزة لبنانية ساهمت في ازدهار القطاع المصرفي، خصوصاً انّ هناك قوانين قادرة على ان تسيطر على تبييض الاموال والفساد.

هذه الخطوات، بالإضافة الى تطبيق الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، قادرة على ان تعيد الثقة والحيوية الى الاقتصاد اللبناني، الذي يملك عدداً من المميزات والفرص. وعندنا الثقة الكاملة في اننا اذا استطعنا تفعيل الاقتصاد عبر الوسائل الصحيحة لن نحتاج الى قروض.

QOSHE - المسؤولون وأصحاب المصارف أصابهم الطرش - فادي عبود
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

المسؤولون وأصحاب المصارف أصابهم الطرش

10 0
23.12.2023

لم يعد مقبولاً التغاضي الفاضح عن أزمة القطاع المصرفي في لبنان واستمرار احتجاز ما تبقّى من الودائع، وكأنّها مؤامرة مقصودة لإبقاء الاقتصاد اللبناني مشلولاً وغير قادر على تحقيق نمو.

يصرّ العباقرة في الاقتصاد لدينا على الحصول على قرض قبل تنظيف البيت الداخلي وتحقيق المحاسبة وإرجاع الودائع، وكأنّ كل الاقتراحات والمطالبات لا تلقى آذاناً صاغية من المسؤولين واصحاب المصارف، وكأنّهم قد اصيبوا بالطرش. والأفظع انّهم لا يحاورون هذه الافكار ويثبتون انّها خاطئة.

ويأتي من يقترح، وخصوصاً صندوق النقد الدولي الذي نتوسله اليوم للحصول على قرض، ان يتمّ ارجاع الودائع الى المودعين الصغار، وهذا ليس خطأ من الناحية الانسانية والاخلاقية، ولكن عدم ارجاع ما تبقّى من ودائع المودعين الكبار سيكون له ضرر كبير على الاقتصاد، لانّ هؤلاء هم محرّك للاقتصاد وهم قوة استثمارية كبيرة.

يحاول البعض شيطنة صورة المودعين الكبار وتصويرهم على انّهم شركاء في الانهيار المالي الحاصل، وهذا خطأ آخر لأنّ من علقت ودائعهم في المصارف من........

© الجمهورية


Get it on Google Play