والليلِ إذا غنّى...

في صَهَدِ الخيلِ العاري للنجمِ الغارب...

زغردَتِ الرّبحُ تهشُّ لوجهِ سماءٍ غضبى..

نثرَتْ نتَفاً من سحبٍ تسعى

فوقَ رخامِ الظلِّ العاكسِ لي...

والليلِ إذا جنّ وأهوى

بمطارقِ تقريعٍ للسرِّ المندسِّ معي...

كالساجدِ في صمتِ الكهّان.

كالدائرِ حولَ جنونِ الأقدام..

كالعابرِ فوقَ جحيمِ النار..

ينهَلُ جمرَ القربان...

يتلظّى من سردابِ البعدِ الحائل...

والليلِ إذا هدَّ مواخيرَ خطايانا..

وحدي أقترفُ الرّجمَ المنزوعَ منَ الصلبان..

أعرجُ صوبَ الهمسِ السُاري في الأحياء..

أنتزعُ الضوءَ المنسلَّ منَ الساحات...

أركضُ دونَ جذورٍ أو كفنٍ أو عنوان...

غلبَ النّومُ حكاياتي..خلدَتْ للوسنِ الداهم..

طالعني وجهُ نبيٍّ من رُسلِ الأسباط..

حقَّ عليهِ طلوعُ البدرِ الباهي..

ومشى يلهجُ بالآيات...

عدتُ أقولُ وقد بلغَ العمرُ شفيرَ الصمت..

والليلِ إذا غنّى...

.......

ما حلَّ عليكَ الحبُّ جُزافا..

فاذكرْ وجهَ المطرِ المبتلِّ بجرحٍ سائل...

بوّأهُ الخاشعُ مرْآةَ جروحهِ فازدادَ عُتُوّا....

قلّدَهُ العارَ المختومَ على الأقفال..

لتلوكهُ أفواهُ المارّينَ بلا أسفٍ...

وأقمْ للشوقِ عزاءَ الجاحدِ والساهد..

وحدي أسترجعُ نفسي من حصْنِ الأنفاق..

وأقلّمُ انفاسَ الهرَجِ القائمِ في الأفلاك...

قد كان لقصّتنا نجوى المتبتّلِ بين الأسلاك...

وَقَبَ الغسقُ الناقمُ في خوفٍ دامس..

أفنانا صرعى للضوءِ المتمدّدِ كالأطفال..

سرَّجَ خيلَ محاجِرِنا...

ما حلَّ عليكَ الحبُّ جُزافا. .

فاوجسْ في سرِّكَ من أحجيةِ الحسَرات..

وأعدْ للروحِ صفاءَ السّاجدِ في الواحات...

واضربْ للنّسيانِ طريقاً في القلبِ المكسور..

وكأنّي بكَ والوَلَهُ الغاربُ لا يشفى...

يرتجُّ جدارُه بينَ الأشواك..

يغتمُّ حنينُهُ من شرذَمةٍ من عشّاقِ الليل...

ما حلَّ عليكَ الحبُّ جُزافا..

لكن..كان جحودُكَ بالمرصاد...

ومراراً.. أوحِيَ لي ما لا يوحى..

كالقصبِ المحنيِّ على رملٍ يصلى نصَبا..

أن أحضنَ كفّي المشقوقَ بخوافي الغُيَّاب ...

من خلفي أسمعُ صوتَ العيدِ المتهادي...

صدعتْ بهرجةٌ خلفَ البلورِ لأمرِ الحاصب..

نفحتْ بجنونٍ بين مساماتِ الغاب...

قد أوحيَ لي ما لا يوحَى..

في المقهى تزرعني الريحُ على المقعد..

مثلي تجلسُ في خفّةِ مجروحٍ خلفٕ الباب..

تؤنسني حينَ تزحزحُ دمعاً عن قلبٍ مرتاب..

وهنا وحدي سأعدُّ عقاربَ آهاتي..

وأواجهُ نفسي بطلاسمِ ممحاتي..

لن ترقبَ ظلّي عينٌ تتسكّعُ في المرآة...

لن يحجبَ صمتي غمزٌ يحتالُ على أعقابي..

بينَ سحابِ الداخلِ والخارجِ بضعُ غيوم..

..........

ومراراً...أوحِيَ لي ما لا يوحى..

فتجاهلتُ نداءَ الأغمارِ لناموسِ الحطّاب..

يهرعُ بالفأسِ اللامعِ في جنحِ الديجور..

ينبجسُ الماءُ سيولاً من عنقِ الأشجار.

يطأُ الزهرَ النائمَ في حضنِ الأعشاب...

ألمحُ صَمْتَه من ضفّةِ حزني...

أعبرُ وجهَهُ كالبرقِ العابقِ في الأنحاء...

هو لم يفقهْ أنّه يقطعُ أنفاسي..

ويشتّتُني في الأرضِ كما الأغراب....

أقبعُ في مقهى العائدِ من أغبارِ سنين..

بينَ غيابٍ وإيابٍ سربُ حفاة...

وأنا وعيوني خلفَ الجدران...

قد أوحيَ لي ما لا يوحى...

والليل.. والليل.. إذا غنّى..

QOSHE - والليلِ إذا غنّى - نسرين بلوط
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

والليلِ إذا غنّى

5 0
28.12.2023

والليلِ إذا غنّى...

في صَهَدِ الخيلِ العاري للنجمِ الغارب...

زغردَتِ الرّبحُ تهشُّ لوجهِ سماءٍ غضبى..

نثرَتْ نتَفاً من سحبٍ تسعى

فوقَ رخامِ الظلِّ العاكسِ لي...

والليلِ إذا جنّ وأهوى

بمطارقِ تقريعٍ للسرِّ المندسِّ معي...

كالساجدِ في صمتِ الكهّان.

كالدائرِ حولَ جنونِ الأقدام..

كالعابرِ فوقَ جحيمِ النار..

ينهَلُ جمرَ القربان...

يتلظّى من سردابِ البعدِ الحائل...

والليلِ إذا هدَّ مواخيرَ خطايانا..

وحدي أقترفُ الرّجمَ المنزوعَ منَ الصلبان..

أعرجُ صوبَ الهمسِ السُاري في الأحياء..

أنتزعُ الضوءَ المنسلَّ منَ الساحات...

أركضُ دونَ جذورٍ أو كفنٍ أو عنوان...

غلبَ النّومُ حكاياتي..خلدَتْ للوسنِ الداهم..

طالعني وجهُ نبيٍّ من رُسلِ الأسباط..

حقَّ........

© الجمهورية


Get it on Google Play