تُشغِل مشكلة ودائع المواطنين المالية المحتجزة في المصارف منذ احداث تشرين الاول عام ٢٠١٩،بال المودعين الذين يشكلون غالبية اللبنانيين، الذين لا يستطيعون التصرف بها ،وتكاد تطغى على الاهتمام والتساؤل ،في معظم الاحيان، على ما عداها من مسائل وقضايا مطروحة، نظرا لارتباطها المباشر بحياتهم ومستوى عيشهم اليومي ومستقبلهم، بعدما ماطلت الدولة في معالجتها ووضع التشريعات والقوانين اللازمة بها ، وباتت كل الوعود التي بشرّهم بها المسؤولون على اختلافهم، مجرد مسكنات ظرفية، للتهرب من مسؤولية معالجة هذه المشكلة المهمة.

منذ ايام أشار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مقابلة تلفزيونية على هامش مشاركته بمنتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا، الى ان الحكومة بصدد دراسة قانون بأسرع ما يمكن، لاستعادة ودائع المواطنين من المصارف، يمكن من خلاله اعادة الودائع دون الماية الف دولار إلى اصحابها، اما اصحاب الودائع الكبيرة التي تتجاوز هذا المبلغ،يمكن اعادتها ضمن جدول زمني اطول.

كان ميقاتي يرد على المشككين بامكانية اعادة الدولة الودائع الى المواطنين ضمن السياسية المتبعة، وعلى بعض الخبراء الذين يعتبرون ان كل الصيغ المطروحة، لحل مشكلة الودائع، تكون على حساب المودع الذي سيقتطع من وديعته نسبة تقارب الثمانين بالماية في النهاية، بالنسبة لصغار المودعين الذين سيحصلون على ودائعهم خلال عشر سنوات، وكبار المودعين.

يحصلون على سندات دولية صفرية ، اي بدون فوائد ولاجال طويلة ،وامكانية بيعها بخسارة من قيمتها بنسب معينة في السنوات الاولى، وبقيمتها الكاملة بعد اربعين سنة.

ويستند هؤلاء الخبراء بأن الحلول المطروحة لمشكلة ودائع المواطنين المحتجزة بالمصارف ،ستكون على حساب المودعين بنسبة الثمانين بالماية، وذلك لتفادي تحميل الدولة والمصارف الحصة الكبيرة من الديون المترتبة على الدولة، الامر الذي يلحق اجحافا كبيرا بالمودعين على اختلافهم، في حين ان هناك حلولا يمكن ان تؤمن الحد الادنى من التوازن، وتوزيع الخسائر على الدولة والمصارف والمودعين بنسب معقولة وعادلة ، ولكن يتم تجنب البحث فيها بجدية ومسؤولية حفاظا على مصالح كبار المسؤولين والسياسيين المالية.

بين وعود رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بحل مشكلة الودائع قريبا وتشكيك بعض خبراء المال والاقتصاديين بامكانية إنجاز الحكومة مثل القانون الذي وعد به ميقاتي اللبنانيين منذ ايام ،جملة وقائع مخيبة للامال ،تصب في خانة المشككين وتعزز توقعاتهم ، بانعدام الآمال بامكانية اخراج حل مشكلة الودائع المحتجزة قريبا، وفي مقدمتها استعادة الحكومة لمشروع الكابيتال كونترول من المجلس النيابي خلال الجلسة العامة السابقة، لاعادة درسه من جديد، بعدما كان اشبع درسا في لجنة المال النيابية وفي النقاشات الجانبية للنواب. كانت الفرصة مؤاتية لمناقشة المشروع في الجلسة المذكورة، لو كان هناك نيّة صادقة لاقراره، من قبل المجلس النيابي والحكومة، ولكن تماهي كل منهما بالمماطلة وعدم إقرار المشروع، تم سحبه بسلاسة وبدون اعتراض اومعارضة ، من اي كتلة او جهة سياسية فاعلة.

يضاف الى هذه الوقائع المشككة، التلكؤ الملحوظ في مشاريع قوانين الاصلاح المالي والاقتصادي، ومنها قانون هيكلة المصارف وخطة التعافي الاقتصادي، وغيرها مازالت تقبع في المجلس النيابي، بالرغم من الحاجة الضرورية لاقرارها لتحقيق اعادة النهوض الاقتصادي والمالي وتجاوز الازمة المالية التي تعصف بلبنان منذ سنوات، واصرار المصارف على رفضهم تحمل الخسائر المترتبة عليهم،كما أعلنوا ذلك باكثر من مناسبة واخرها بالمذكرة التي رفعوها لوزارة المالية.

المواطن واقع الان بين وعد رئيس الحكومة باصدار قانون استعادة الودائع بالسرعة القصوى، بعدما قارب عمر الحكومة السنتين، ولم تنجزه طوال هذه المدة، والمجلس النيابي نادرا ما يجتمع حاليا، بفعل المقاطعة والحرد وتواطؤ معظم النواب على رفض إقرار اي قانون له علاقة بحل مشكلة الودائع، في حين تستمر المصارف في عملية تذويب منظمة للودائع ، تارة بمفاعيل التعاميم الصادرة عن المصرف المركزي،او من خلال صفقات مجحفة من خارجها، بلا حسيب او رقيب.

QOSHE - الودائع بين التخدير السياسي والتذويب المصرفي - معروف الداعوق
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

الودائع بين التخدير السياسي والتذويب المصرفي

5 10
20.01.2024

تُشغِل مشكلة ودائع المواطنين المالية المحتجزة في المصارف منذ احداث تشرين الاول عام ٢٠١٩،بال المودعين الذين يشكلون غالبية اللبنانيين، الذين لا يستطيعون التصرف بها ،وتكاد تطغى على الاهتمام والتساؤل ،في معظم الاحيان، على ما عداها من مسائل وقضايا مطروحة، نظرا لارتباطها المباشر بحياتهم ومستوى عيشهم اليومي ومستقبلهم، بعدما ماطلت الدولة في معالجتها ووضع التشريعات والقوانين اللازمة بها ، وباتت كل الوعود التي بشرّهم بها المسؤولون على اختلافهم، مجرد مسكنات ظرفية، للتهرب من مسؤولية معالجة هذه المشكلة المهمة.

منذ ايام أشار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مقابلة تلفزيونية على هامش مشاركته بمنتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا، الى ان الحكومة بصدد دراسة قانون بأسرع ما يمكن، لاستعادة ودائع المواطنين من المصارف، يمكن من خلاله اعادة الودائع دون الماية الف دولار إلى اصحابها، اما اصحاب الودائع الكبيرة التي تتجاوز هذا المبلغ،يمكن اعادتها ضمن جدول زمني اطول.

........

© اللواء


Get it on Google Play