تستمر العرقلات المفضوحة بين السلطة والمصارف لتأخير عملية إعادة الودائع إلى اصحابها او ما تبقّى منها، بعد ان تمّ تقليصها بفعل ممارسات المصارف بغطاء من المصرف المركزي والسلطة، على مدى السنوات المنصرمة.

آخر تلك العرقلات هو الصراع بين المصرف المركزي والمصارف، حول إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، والذي باتت تعتبر المصارف انّه عائق امام إعادة الودائع.

علماً انّ المصرف المركزي سمح للمصارف منذ اندلاع الأزمة باعتماد اساليب ملتوية لتقليص الودائع لديها، وبالتالي تحقيق ارباح.

وتبقى المشكلة الأساسية هي غياب الأرقام الحقيقية المفصّلة. فمنذ حدوث ما يُعرف بـ«سرقة القرن» لم يخرج أي مسؤول رسمي لبناني ليُخبر المواطنين عن تفاصيل الكارثة التي حلّت ببلدهم. وحتى الآن يتمّ وضع خطط واقتراحات عشوائية من دون امتلاك المعلومات المفصّلة حول ما حصل. فكيف سيتمّ النهوض بالقطاع المالي اذا لم تتمّ معرفة تفاصيل ما حدث؟

ومنذ اندلاع الأزمة ونحن نطالب بمعرفة التالي، أن يصرّح كل مصرف على حدة ما يلي:

- كم كانت الودائع التي لديه؟

- كم أخذ منها المصرف المركزي؟ وفي أي تاريخ؟ وبناءً على أي قانون؟

- كم أرجع المصرف المركزي منها وفي أي تواريخ؟

- كم أعطاه المصرف المركزي فوائد؟

- هل أجبره المصرف المركزي على الاستثمار؟ وبناءً على أي قوانين؟ أم انّ سحب الودائع تمّ بالتراضي بين الطرفين؟

كل هذه الاسئلة لا تطالها السرّية المصرفية، وبالتالي نرجو الاّ تلجأ المصارف إلى التحجج بالسرّية المصرفية لعدم الإفصاح عن هذه المعلومات، علماً أن لا علاقة لنا بالعمليات التجارية الأخرى، ولا تهمّنا اسماء اصحاب الحسابات، بل عن المبالغ العامة بينها وبين المصرف المركزي.

هذا من جهة، من جهة أخرى لقد تعرّضت الودائع الى «هيركات» ضخم اصلاً، بعدما تمّ تقليص هذه الودائع بطرق غير قانونية، وتبقى مسؤولية البنك المركزي التعويض عن الناس عبر أية وسيلة، منها إمكانية بيع بعض اراضي الدولة.

الا تدرك السلطة ومعها المصارف والمصرف المركزي انّ إعادة الودائع هو المدخل الأساس لإعادة الانتظام المالي وتحريك عجلة الاقتصاد، وانّ حصول اصحاب الودائع على اموالهم سيجعلهم يستثمرون مجدداً، ما سينعكس ايجاباً على الجميع، ويساهم في تحقيق نمو؟

الا يدركون انّ عدم إعادة ما تبقّى من الودائع هو حكم بالإعدام على لبنان واقتصاده الى سنين عديدة مقبلة. فلن يقوم إي مستثمر او مغترب بتوظيف قرش او تحويل قرش الى لبنان من الآن وصاعداً، وهذا يعني انّ لبنان سيخسر الفئة المحرّكة للاستثمارات وسيقطع الصلة نهائياً بشبكة ضخمة من مغتربيه. مما سيحكم على اقتصاده بالتعثر والبقاء تحت رحمة الديون الخارجية؟

المطلوب من النواب والحكومة بسيط، لا نطلب منكم ان تقوموا بإفلاس المصارف، بل ان تقوموا بكشف حسابات المصارف والمصرف المركزي للإجابة عن الاسئلة اعلاه. وطلبنا كما طرحنا سابقاً لا يتعارض مع السرّية المصرفية، لأننا لا نطلب حسابات افراد بل مجموع حسابات.

هذا أبسط الإيمان بعد كل ما حصل، ونحاول ان نجد كلمة ملطّفة للجريمة التي حصلت، ولكن لا نستطيع الاّ ان نصفها بالسرقة المنظّمة التي تورط فيها من لا يريد فتح كشف الحسابات في المصارف والمركزي. نكرّر، الهدف ليس افلاس المصارف، بل الهدف الاّ يغتنوا ويجمعوا ثروات عبر سرقة الودائع. فإذا لم تتمكنوا من معالجة الأزمة وإعادة الودائع لاصحابها، استقيلوا واتركوا المجال لغيركم.

وللشعب اللبناني نداء، ستتعرّض للسرقة مجدداً ومراراً اذا لم تجبرهم على إقرار الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، والتي لو كانت موجودة لاستطعت ان تستشرف الكارثة قبل وقوعها.

QOSHE - أرجعوا الودائع او استقيلوا - فادي عبود
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

أرجعوا الودائع او استقيلوا

6 5
17.02.2024

تستمر العرقلات المفضوحة بين السلطة والمصارف لتأخير عملية إعادة الودائع إلى اصحابها او ما تبقّى منها، بعد ان تمّ تقليصها بفعل ممارسات المصارف بغطاء من المصرف المركزي والسلطة، على مدى السنوات المنصرمة.

آخر تلك العرقلات هو الصراع بين المصرف المركزي والمصارف، حول إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، والذي باتت تعتبر المصارف انّه عائق امام إعادة الودائع.

علماً انّ المصرف المركزي سمح للمصارف منذ اندلاع الأزمة باعتماد اساليب ملتوية لتقليص الودائع لديها، وبالتالي تحقيق ارباح.

وتبقى المشكلة الأساسية هي غياب الأرقام الحقيقية المفصّلة. فمنذ حدوث ما يُعرف بـ«سرقة القرن» لم يخرج أي مسؤول رسمي لبناني ليُخبر المواطنين عن تفاصيل الكارثة التي حلّت ببلدهم. وحتى الآن يتمّ وضع خطط واقتراحات عشوائية من دون امتلاك المعلومات المفصّلة........

© الجمهورية


Get it on Google Play