كان موجعاً لا بل مؤلماً خبر رحيلك. وعادت بي الذكريات الى بداياتي في عالم الصحافة. يومها كنت قد انتقلت تحت وطأة الظروف من زحلة الى «المنطقة الشرقية»، وتابعت مزاولة شغفي في عالم المتاعب. كان جورج عبد المسيح قد جرى تعيينه حديثاً رئيساً للدائرة الإعلامية في «القوات اللبنانية» بعدما نجح سمير جعجع في إحكام قبضته على المنطقة إثر الانتفاضة التي نفّذها. كنت ما أزال مبتدئاً، وكنت أعمل في إذاعة «صوت لبنان» وفي مجلة «النهار العربي والدولي». وكان جورج عبد المسيح مقصدي دائماً، مرّة بسبب موقعه والمعلومات التي أحتاجها، ومرّة ثانية بسبب مرونته وخبرته وأخلاقه السامية. رغم أنّه لم يكاشفني يوماً، لكنني شعرت برعاية خاصة لي قد تكون ناتجة من تقديره للظروف الصعبة التي حتّمت عليّ ترك بيتي والانتقال قسراً الى الساحل. وأذكر جيداً كيف أنّه كان يساعدني بترفّع وأخلاق عالية في قراءة وتحليل ما خلف الأحداث وتعزيز الثقة بالنفس.
وبنينا صداقة دامت لمرحلة ما بعد الحرب، قبل أن تفرض ظروف العمل والحياة الابتعاد عن التواصل الدائم. وأكثر ما أوجعني كان عندما علمت منذ فترة بسيطة من صديقي ابراهيم جبيلي، والذي هاجر الى كندا، أنّ جورج عبد المسيح تدخّل لديه في العام 1995 لكي أعاود عملي في الصحافة. يومها كنت أمرّ بظروف سياسيّة صعبة، لدرجة أنني فكرت بيني وبين نفسي في ترك المجال الصحفي. ولأنّه كان صاحب أخلاق نبيلة، لم يخبرني بما فعل، ولم أعرف بذلك سوى منذ بضعة أشهر.
قد تكون الحياة غير منصفة في كثير من الأحيان، لكن الذكرى الطيبة تبقى أقوى من ظلمة الغياب.

QOSHE - رحيل الأوادم - جوني منير
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

رحيل الأوادم

5 1
26.02.2024

كان موجعاً لا بل مؤلماً خبر رحيلك. وعادت بي الذكريات الى بداياتي في عالم الصحافة. يومها كنت قد انتقلت تحت وطأة الظروف من زحلة الى «المنطقة الشرقية»، وتابعت مزاولة شغفي في عالم المتاعب. كان جورج عبد المسيح قد جرى تعيينه حديثاً رئيساً للدائرة الإعلامية في «القوات اللبنانية» بعدما نجح سمير جعجع في إحكام قبضته على المنطقة إثر........

© الجمهورية


Get it on Google Play