لم يطرح موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وحلفائهما منذ مدة، هكذا من تلقاء النفس وكبادرة حسن نية مع الشعب الفلسطيني والاعتراف بحقوقه المشروعة، باقامة دولته المستقلة على ارض فلسطين، وانما أتى هذا الطرح من قبل الدول المعنية في هذا الظرف بالذات، بعد زلزال عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس، ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي غمرة الحرب الإسرائيلية الاجرامية التي تشنّها الدولة العبرية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، والتعثر المستمر لتحقيق وقف اطلاق النار وتبادل الرهائن والمحتجزين لدى حركة حماس والمعتقلين الفلسطينين في السجون الإسرائيلية، لتحقيق هدفين اساسيين، الاول ممارسة الضغوط على رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، الرافض لاي لكل صيغ وقف اطلاق النار، تؤدي إلى وضع حد نهائي للحرب التي يشنها على القطاع وعلاقتها بالاشتباكات العسكرية على الحدود اللبنانية الجنوبية، خشية ارتداتها السلبية على حكومته ومستقبله السياسي، وثانيا محاولة استرضاء الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لابشع المجازر والارتكابات الاجرامية الإسرائيلية، بوعد مشروط بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ولكن لوحظ في الاونة الاخيرة، تراجع الكلام والمواقف الدولية ولاسيما من الولايات المتحدةالأميركية، عن السير قدما في مسار الاعتراف بالدولة الفلسطينية بصراحة، والاكتفاء بذكر مشروع حل الدولتين، وان كان ذلك يعني إقامة الدولة الفلسطينية الى جانب إسرائيل عموما، بالتزامن مع تركيز الاهتمام على التوصل إلى اتفاق لوقف اطلاق النار بين قوات الاحتلال الاسرائيلي وحركة حماس، وانجاز صفقة لتبادل تدريجي للمحتجزين الاسرائيليين والاجانب والمعتقلين الفلسطينيين.

هل يعني ذلك ان طرح الوعد الاميركي والبريطاني المشروط الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كان ظرفيا، ومجرد وعد تخديري للفلسطينيين، لحمل نتنياهو الانصياع لمطالب الادارة الاميركية، لوقف الحرب بشروط ومطالب واشنطن، ولاسيما منها اطلاق سراح الرهائن، ولاسيمامنهم الاميركيين السبعة وامتصاص نقمة المعترضين والرافضين للحرب، وليس حقيقيا وعن قناعة لاعطاء الفلسطينين حقوقهم المشروعة بإقامة دولتهم المستقلة؟.

لا يمكن تجاهل موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية والكنيست الاسرائيلي الرافض لموقف واشنطن والغرب، الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بتراجع وتيرة الحديث عنه اميركيا او التهويل به، لدفع جهود وقف اطلاق النار وتبادل الرهائن والمسجونين وانهاء الحرب على غزّة، وقد احدثت تاثيرا واضحا في هذا التراجع.

ولكن بالرغم من ذلك، لم يعد باستطاعة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، العودة عن وعودهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بالرغم من الرفض الرسمي الاسرائيلي على كل المستويات، بعد ان وجدوا ان حركة حماس، اسقطت بعملية طوفان الأقصى، كل مقومات التفوق والهيبه والهيمنة الإسرائيلية، والدعم الغربي المنقطع النظير الذي استمر لها منذ ٧٥ عاما، خلال ساعات معدودة، ولم تستطيع الدولة العبرية حسم الحرب التي تشنها على قطاع غزّة منذ قرابة الستة اشهر لصالحها، او تحقق اي من الشروط التي خاضتها على اساسها، وهي اعادة الاسرى والمحتجزين الإسرائيليين والاجانب والقضاء على حركة حماس حتى اليوم، برغم كل المجازر والارتكابات الاجرامية ودمار القطاع بالكامل وتهجير سكانه وقتل وجرح عشرات الالاف من الفلسطينين، والتراجع عن طرح الاعتراف بالدولة الفلسطينية، او الانقلاب عليه بعد انتهاء الحرب على غزّة، يعني استمرار الصراع العربي الاسرائيلي في المرحلة المقبلة، لفترة طويلة، واستجرار حروب اقليمية معقدة.

وبموازاة الرفض الاسرائيلي للاعتراف الاميركي بالدولة الفلسطينية، لوحظ ان نتنياهو طرح اكثر من صيغة لوضعية قطاع غزّة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع، تارة استمرار وضعه تحت احتلال القوات الإسرائيلية وادارته مباشرة، وتارة اخرى تسليمه للعشائر وتحت سلطة الدولة العبرية ورفضه اي صيغة أخرى، مع معرفته سلفا باستحالة تنفيذ اي من الصيغ التي يطرحها لإدارة القطاع بمعزل عن وجود سلطة وطنية تضم كل مكونات الشعب الفلسطيني.

ولذلك، تبقى كل محاولات الرفض الاسرائيلي على كل المستويات والمدعومة من مؤيدي إسرائيل بالخارج، لافشال مشروع إقامة الدولة الفلسطينية، وقطع الطريق نهائيا امامه، وإذا لم يتحقق هذا الهدف الإسرائيلي، على الاقل تفريغه من مضمونه، وتحويله من مشروع إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، جنبا الى جنب مع إسرائيل، الى دويلة هزيلة، مقطعة الاوصال وتحت هيمنة إسرائيل وسيطرتها في كل النواحي.


QOSHE - فلسطين بين الدولة والدويلة - معروف الداعوق
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

فلسطين بين الدولة والدويلة

7 0
14.03.2024

لم يطرح موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وحلفائهما منذ مدة، هكذا من تلقاء النفس وكبادرة حسن نية مع الشعب الفلسطيني والاعتراف بحقوقه المشروعة، باقامة دولته المستقلة على ارض فلسطين، وانما أتى هذا الطرح من قبل الدول المعنية في هذا الظرف بالذات، بعد زلزال عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس، ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي غمرة الحرب الإسرائيلية الاجرامية التي تشنّها الدولة العبرية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، والتعثر المستمر لتحقيق وقف اطلاق النار وتبادل الرهائن والمحتجزين لدى حركة حماس والمعتقلين الفلسطينين في السجون الإسرائيلية، لتحقيق هدفين اساسيين، الاول ممارسة الضغوط على رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، الرافض لاي لكل صيغ وقف اطلاق النار، تؤدي إلى وضع حد نهائي للحرب التي يشنها على القطاع وعلاقتها بالاشتباكات العسكرية على الحدود اللبنانية الجنوبية، خشية ارتداتها السلبية على حكومته ومستقبله السياسي، وثانيا محاولة استرضاء الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لابشع المجازر والارتكابات........

© اللواء


Get it on Google Play