يحمل الإضراب العالمي، في 11 كانون الأول 2023، من أجل وقف إطلاق النار في غزة، معاني متعددة. افتش عن المعاني قبل أن أبحث عن المفاعيل الفورية، أي وقف إطلاق النار، لأن للمعاني مفاعيل بعيدة المدى، يمكنها أن تخدم القضية الفلسطينية.


المعنى الأول أنه إضراب، وليس مفاوضات في قطر أو بين أميركا وإيران، وليس أيضاً تصويتاً في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولا هو مساندة عسكرية للفلسطينيين، من لبنان أو اليمن. الإضراب يعلن فشل جميع هذه الوسائل مجتمعة، لوقف إطلاق النار. الإضراب هو عمل شعبي مدني سلمي ضاغط، على عكس الوسائل الأخرى، النخبوية الفوقية في المفاوضة، والعنيفة المؤذية للمدنيين، في الأعمال العسكرية.


المعنى الثاني أنه إضراب العاملين، عمالاً وموظفين، وإن شارك بعض أصحاب العمل والحكومات. العاملون يتحملون أكثر من غيرهم عبء الحروب والأعمال العسكرية. في إضراباتهم، عادة ما يرفعون المطالب الاجتماعية والاقتصادية، أما في إضرابهم من أجل غزة، فيضحّون ببدل أتعاب يومهم، ليصوّبوا رمزياً على الأرباح، المحرّك الأول للحروب والغزوات، دون رفع مطالب خاصة بهم. يقولون في إضرابهم إن البشر أهم من الأرباح، وأن وقف عجلة الإنتاج غير ذات شأن، إذا كان الهدف إنقاذ أرواح الفلسطينيين. للأسف لم يصدر مواقف صريحة من المنظمات النقابية الدولية تدعو فيها للمشاركة في الإضراب، فهي لا زالت تتخبط في التردد والميوعة تجاه مسألة إدانة إسرائيل، وتنطلق في مواقفها وكأن الحرب بدأت مع عملية حماس، بدل النظر إلى المسار التاريخي للصراع البادئ مع احتلال إسرائيل لفلسطين.


المعنى الثالث أنه إضراب عالمي، لا وطني ولا قطاعي. إنها الإنسانية جمعاء تحتج على دوس الإنسانية وقهرها في غزة. إنها انتفاضة شعوب العالم ضد حكومات العالم ومؤسساته الأممية اللامبالية بحياة شعب بأكمله. إنه صوت شعوب العالم بأن الشعب الفلسطيني هو شعب أيضاً، ومثل غيره يستحق الحياة والحرية والكرامة.


المعنى الرابع أنه إضراب من أجل وقف إطلاق النار لا أكثر ولا أقل. لا يقلل ذلك من المدلول السياسي للإضراب، فالسياسة هنا تعود إلى سبب وجودها، أي إدارة شؤون البشر في صراعاتهم، بطريقة سلمية، وفي ظل حالة من السلام.


المعنى الخامس والأخير، أن مطلب وقف إطلاق النار موجّه ضد إسرائيل وأميركا بشكل خاص، إسرائيل كمعتدية ترفض وقف اطلاق النار، وأميركا كحامية للمعتدي من خلال إشهار الفيتو بوجه محاولة مجلس الأمن لإقرار وقف إطلاق نار إنساني.


يستحق يوم 11 كانون الأول 2023 أن يتحول إلى يوم فلسطين العالمي الذي يُحتفل به سنوياً وحتى زوال الاحتلال، تماما كما تحولت نضالات العمال والنساء في تواريخ معينة، إلى عيد العمال العالمي في أول أيار وإلى عيد المرأة في الثامن من آذار.

QOSHE - معاني الإضراب العالمي من أجل وقف إطلاق النار في غزة - غسان صليبي
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

معاني الإضراب العالمي من أجل وقف إطلاق النار في غزة

6 0
11.12.2023
يحمل الإضراب العالمي، في 11 كانون الأول 2023، من أجل وقف إطلاق النار في غزة، معاني متعددة. افتش عن المعاني قبل أن أبحث عن المفاعيل الفورية، أي وقف إطلاق النار، لأن للمعاني مفاعيل بعيدة المدى، يمكنها أن تخدم القضية الفلسطينية.


المعنى الأول أنه إضراب، وليس مفاوضات في قطر أو بين أميركا وإيران، وليس أيضاً تصويتاً في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولا هو مساندة عسكرية للفلسطينيين، من لبنان أو اليمن. الإضراب يعلن فشل جميع هذه الوسائل مجتمعة، لوقف إطلاق النار. الإضراب هو عمل شعبي مدني سلمي ضاغط، على عكس الوسائل الأخرى، النخبوية الفوقية في المفاوضة، والعنيفة المؤذية........

© Annahar


Get it on Google Play