في جلسات المجلس النيابي الأخيرة، أقرّ النواب قانون "الصندوق السيادي"، وكانوا قبل ذلك قد صوّتوا لتمديد ولاية قائد الجيش الحالي، ومسؤولين أمنيين آخرين.

هدف إنشاء "الصندوق السيادي" هو إدارة الأموال المحصّلة من واردات الأنشطة البترولية. يتولّى إدارته مجلس إدارة معيّن من ثمانية أعضاء لبنانيين، من ذوي الخبرة، يتمّ تعيينهم لمدّة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، بموجب مرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح مجلس الخدمة المدنية بالتشاور مع مؤسّسة توظيف دوليّة خاصّة.

يستدعي القراران ملاحظتين تطالان عمق البنية المجتمعية اللبنانية وأزمتها، في آنٍ واحد.

الملاحظة الأولى: انشغل الرأي العام والإعلام بأشكاله المتعدّدة بمعركة التمديد لقائد الجيش، وحُكي عن منتصرين وخاسرين، فيما بقيت قضية "الصندوق السيادي" أسيرة مداولات النواب واهتمام عدد قليل من الخبراء المتابعين، ولم تحظَ باهتمام الرأي العام ولا باهتمام الإعلام.

الظاهرة تؤشر إلى طغيان العامل الطائفي-المذهبي على العامل الطبقي-المعيشي في تشكيل اهتمامات الرأي العام اللبناني والإعلام. والرأي العام والإعلام هما في علاقة تأثير متبادلة، ويغذّيان بعضهما بعضاً.

لا شكّ في أن الاهتمام بالتمديد لقائد الجيش له دوافع أمنيّة، ويعبّر عن الحرص على مؤسسة الجيش في ظل انهيار معظم مؤسّسات الدولة الأخرى. لكنّني أعتقد أن الاهتمام الشعبي والإعلامي لمسألة التمديد استمدّ زخمه العاطفي من المدلول المذهبي للتمديد، والمرتبط بالموقع الماروني- المسيحي في رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش.

بالمقابل لم يثر "الصندوق السيادي" الحماسة المطلوبة، لا من النقابات ولا من هيئات المجتمع المدني، بالرغم من دوره المركزي المفترض في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والنهوض من حالة الانهيار، عبر توظيف أرباح الغاز والبترول، ادّخاراً أو استثماراً، في الداخل أو في الخارج.

الملاحظة الثانية: مسألة "السيادة" مطروحة في القرارين، ضمنياً في الأول، واسمياً في الثاني.

في قرار التمديد، هناك حرص ضمني على السيادة الوطنية التي يمثلها الجيش اللبناني، مع العلم بأن هذا الأخير ممنوع عليه الانتشار على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، وعلى دوره في حماية الحدود والسيادة؛ وهو في صلب المفاوضات الإقليمية- الدولية الجارية حالياً بدل أن يكون من المسلمات الدستورية والوطنية. هذا ما عنيته عندما استخدمت تعبير "سيادة في الصندوق"، أي في صندوق الاقتراع وليس خارجه.

أما في ما يتعلق بـ"الصندوق السيادي"، فتوقيت إقراره المبكر قبل تأكيد وجود الثروة أو حجمها - وهي إن وجدت لن تؤتي ثمارها قبل سبع سنوات على الأقلّ-، ووضعه منذ الآن تحت سلطة مجموعة من الزعماء سرقوا أموال دولتهم وشعبهم، وانتهجوا سياسات مدمّرة لاقتصاد بلادهم، إنّما هما معاً إعلان مسبق عن نيّة السلطة الحالية تأمين "تسيّدها" على الصندوق بدل أن يكون هذا الصندوق بحدّ ذاته سيادياً، يخضع لمصالح البلاد وشعبها. وهذا ما عنيته عندما استخدمت تعبير "سيادة على صندوق".

QOSHE - سيادة على صندوق وسيادة في صندوق - غسان صليبي
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

سيادة على صندوق وسيادة في صندوق

7 38
03.01.2024
في جلسات المجلس النيابي الأخيرة، أقرّ النواب قانون "الصندوق السيادي"، وكانوا قبل ذلك قد صوّتوا لتمديد ولاية قائد الجيش الحالي، ومسؤولين أمنيين آخرين.

هدف إنشاء "الصندوق السيادي" هو إدارة الأموال المحصّلة من واردات الأنشطة البترولية. يتولّى إدارته مجلس إدارة معيّن من ثمانية أعضاء لبنانيين، من ذوي الخبرة، يتمّ تعيينهم لمدّة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، بموجب مرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح مجلس الخدمة المدنية بالتشاور مع مؤسّسة توظيف دوليّة خاصّة.

يستدعي القراران ملاحظتين تطالان عمق البنية المجتمعية اللبنانية وأزمتها، في آنٍ واحد.

الملاحظة الأولى: انشغل الرأي العام والإعلام بأشكاله المتعدّدة........

© Annahar


Get it on Google Play