نشهد مؤخراً موضةً غير عفوية تجتاح لبنان المتضعضع سياسياً واجتماعياً وأمنياً. إنها موضة المنظمات غير الحكومية، التي يختبئ وراءها فكر يهدف إلى غسل عقول الأجيال الصاعدة ونهب الموارد الطبيعية (على المدى البعيد).

في حقبة ما بعد وباء كورونا، ظهرت جائحة جديدة يبثها بعض المستفيدين والمستفيدات مادياً، يبشّرون بأفكار بالية بصقها الغرب بعدما أنهكته وحطّمت ما تبقّى من قيمه. يعملون على صعد مختلفة، بين التطبيقات على الهواتف الذكية، التواصل الاجتماعي، الإعلام التقليدي… يغسلون العقول بمفاهيم تهدف لتدمير العائلة والمعتقدات والتقاليد. فالمعروف أنهم يشدّدون على عناوين معينة ويستعملون كلمات مبوّبة لتجييش رأي نشطائهم المبرمج.

ساهمت هذه الظاهرة، مع الفساد المستتب في الدولة، إلى انهيار اقتصاد لبنان (بعض أصحاب هذه المنظمات ينهبون ويختلسون أموالاً طائلة، نتكلم عن ملايين الدولارات، هي أحد الأسباب الأساسية لتدمير اقتصاد لبنان واستتباب التفكك).

لطالما كافح كثيرون في لبنان كي لا يكون هناك تمييز بين الأديان والجنسيات والأعراق، كما طالبوا بحقوق مدنية/إنسانية للمثليين والطفل والمرأة والمقعدين… وها قد أتت هذه الجمعيات لتسخّف المطالب المحقة، لتدخل الفكر اليساري الأميركي، الذي قسَّم أميركا بشكلٍ عامودي وذهب بتاريخها وقيم الغرب إلى الهوة.

عندما نتكلم عن اليسار، لا نصوّب نحو اليسار التقليدي الذي، وإن اختلفنا مع جوهره وممارساته السابقة، لا يمكننا أن ننكر تموضعه وأهدافه، لا يكمن ألا نحترم الكثيرين من مثقفيه ومفكريه. هذا اليسار “النفتليني” الذي صبغ شوارع بيروت خلال ثوراتٍ عدة، أعطى اسمه وليس مكانه، ليسار بعض الجمعيات غير الحكومية التي تلعب على فكرة “الضحية”.

اليسار الأميركي يعتمد الشمولية المبنية على رفض الآخر ويمارس منطق “محاكم التفتيش” تماماً كالتي كانت خلال القرون الوسطى. خَلَق هذا اليسار المبرمج جمعيات ذي أيديولوجيات فاشية لزرع أفكار مفسدة. هذه الجمعيات لا تبالي بوضع المرأة أو الطفل أو البيئة أو اللاجئ، بقدر ما تبالي بما ستدّخر من “مساعدات” الملياردير جورج سوروس (شوارتز)، أحد أهم ممولي الجيش الإسرائيلي و”ح” في آنٍ واحد. يوزّع سورس (open society)أموالاً طائلة لمنظمات في لبنان (كليات، نشاطات، تطبيقات إلكترونية…) من دون حسيب أو رقيب.

ليس فقط جورج سورس من ينظّم هذه اللعبة الخبيثة، بل هناك سفارات أيضاً لديها فائض مالي، تملي “أجندات” معينة وماكيناتها لا تنفك في توزيع الأموال على الطامحين لحفنة من المال. لا تترك هذه السفارات podcast أو عملاً فنّياً أو مسرحياً أو نشاطاً “ثقافياً” أو طبّياً أو رياضياً أو “إنسانياً”، إلا وتشرف عليه، إما مباشرةً أو من خلال مندوبيها ومندوباتها (الأجانب واللبنانيين). تضغط هذه الجمعيات على الأجهزة الأمنية والحقوقيين، على مدراء الكليات، السياسيين ورجال الدين الذين بأكثريتهم يهابونها أو يستفيدون منها.

هذه الجمعيات تحضّ عملاءها على الصراخ عالياً في احتفالاتهم: “اللبناني برا برا، اللاجئين جوا جوا”. فقد طلب منهم الصراخ والعويل والنواح والنهيق لترحيل أولادنا، ثم تشريع وتفعيل التغيير الديموغرافي الذي هو من أولويات السفارات الغربية.

تسحب هذه الجمعيات (المنظمات) كارت العنصرية البالي بوجه كل من يتكلم عن تنسيق وضع اللاجئين، الذين نتمنى لهم حياة كريمة وآمنة، في بلادهم أو أي بلد يحترم تشريعاته وخصائصه.

فيما يخص المسرح، فقد “فقَّست” مؤخراً مجموعات مموَّلة، ذات الإبداع المحدود أو المعدوم من الذين لا نفهم عليهم إخراجاً أو سينوغرافياً أو درامياً. هؤلاء بغالبيتهم من “النائحين” على وسائل التواصل الاجتماعي، يشكون وينعون ثم يحتفلون في حانات بيروت.

بعدما خرقت تلك المجموعات المسارح وفُتحت لها مساحات فنية في كل أنحاء لبنان، أعطتهم بعض السفارات تأشيرات ليعرضوا “بدعهم” الفنية في أوروبا والولايات المتحدة، لينوحوا أمام جمهور غربي كباكيات ديونيزوس.

ندّابات المنظمات غير الحكومية، لا تتكلّمن عن حالةٍ تشبه لبنان أو المنطقة، فهنّ تخاطبن أسيادهنّ باللغة المولية عليهنّ. تتناولن مواضيع كالثورة ومذابح غزة وانفجار المرفأ وقمع الأديان والذكورية والنباتية والتحول الجنسي واللجوء والتوطين، فيما يبقى هدفها ماديّاً محضاً. هنا نطرح سؤالاً كان قد طرحه الرئيس كميل شمعون: من أين لكم هذا؟ لماذا لا توجد رقابة مالية مشددة على هذه الجمعيات؟ (هناك أيضاً مستفيدات ومستفيدين من الوسط المسرحي ولديهم مونوبول للانتفاع المادي من بعض الوزارات. كما هنالك موظفات مسجلات في الملاك، تنتفعن من دون مزاولة المهنة).

ليست كل الجمعيات فاسدة أو لها غايات مادية، لذلك يجب درس كل الملفات المالية، السياسية/الاجتماعية لهذه الجمعيات غير الحكومية وأخذ الإجراءات القانونية الصارمة والملحّة بحق المخلّات والمخلّين، الفاسدات والفاسدين.

الظاهرة الجيدة هي أن أكثر الناس بات اليوم على يقين بما تصنعه هذه الجمعيات من شرّ وما تبثّه من أضاليل على وسائل الإعلام البديل (لا يوجد إعلام بديل في لبنان بل هي صحافة صفراء هدفها التخريبي للمؤسسات واضح) أو إعلام تقليدي متواطئ ومستفيد.

علمنا مؤخراً أن اللواء البيسري، مدير عام الأمن العام، في صدد سحب كل التراخيص العشوائية من هذه الجمعيات المفسدة، على أمل ألا يواجه عراقيل سياسية/”ديبلوماسية”،قبل أن تنشر هذه الجمعيات في المدارس فكرة تماهي أولادنا مع ثعبان أخرس أو طنجرة ضغط راقصة أو مانغا مكتئبة، قبل فوات الأوان وانهيار مفهوم العائلة وحرية الفرد، قبل اضمحلال قيم مجتمعنا، يجب وضع حد فعلي وجذري ممنهج لتفشي مرض الجمعيات غير الحكومية.​

QOSHE - “المراقب” – NGO من الشرير (جو قديح) - جو قديح
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

“المراقب” – NGO من الشرير (جو قديح)

7 12
16.04.2024

نشهد مؤخراً موضةً غير عفوية تجتاح لبنان المتضعضع سياسياً واجتماعياً وأمنياً. إنها موضة المنظمات غير الحكومية، التي يختبئ وراءها فكر يهدف إلى غسل عقول الأجيال الصاعدة ونهب الموارد الطبيعية (على المدى البعيد).

في حقبة ما بعد وباء كورونا، ظهرت جائحة جديدة يبثها بعض المستفيدين والمستفيدات مادياً، يبشّرون بأفكار بالية بصقها الغرب بعدما أنهكته وحطّمت ما تبقّى من قيمه. يعملون على صعد مختلفة، بين التطبيقات على الهواتف الذكية، التواصل الاجتماعي، الإعلام التقليدي… يغسلون العقول بمفاهيم تهدف لتدمير العائلة والمعتقدات والتقاليد. فالمعروف أنهم يشدّدون على عناوين معينة ويستعملون كلمات مبوّبة لتجييش رأي نشطائهم المبرمج.

ساهمت هذه الظاهرة، مع الفساد المستتب في الدولة، إلى انهيار اقتصاد لبنان (بعض أصحاب هذه المنظمات ينهبون ويختلسون أموالاً طائلة، نتكلم عن ملايين الدولارات، هي أحد الأسباب الأساسية لتدمير اقتصاد لبنان واستتباب التفكك).

لطالما كافح كثيرون في لبنان كي لا يكون هناك تمييز بين الأديان والجنسيات والأعراق، كما طالبوا بحقوق مدنية/إنسانية للمثليين والطفل والمرأة والمقعدين… وها قد أتت هذه الجمعيات لتسخّف المطالب المحقة، لتدخل الفكر اليساري الأميركي، الذي قسَّم أميركا بشكلٍ عامودي وذهب بتاريخها وقيم الغرب إلى الهوة.

عندما نتكلم عن اليسار، لا........

© Lebanese Forces


Get it on Google Play